أنت هنا
عائلات عالقة في منزلها غارقة في الدموع والخوف ترجو الحصول على الحماية في خضم تصاعد العنف وانعدام الآفاق
بقلم آدم بولوكوس وجولييت توما*
"ليس هنالك من شيء أكثر إيلاماً من القيام بهذه الرحلة شبه اليومية إلى المدافن لدفن شبابنا"، يقول ماجد وهو يدخن في مطبخ مفتوح في بيته. ابنه، الذي يعمل مسعفا، قام بمساعدة الجرحى خلال مداهمة شنتها القوات الإسرائيلية مؤخرا على مخيم جنين في شمال الضفة الغربية.
في حين أن أعداد القتلى تتغير، إلا أن ثلاثة منهم على الأقل كانوا من المدنيين. وقد قضى بعضهم خلال تواجده عند خط النار أو ببساطة عند النظر خارج نافذتهم في الوقت الخطأ مثل ماجدة، وهي جدة تبلغ من العمر 61 عاما.
صعودا عبر درج ضيق، توجد في الطابق الثالث شقة صغيرة. يستقبلنا محمد، وهو في أواخر العشرينات من العمر، بابتسامة. ثم يلقي محتويات كيس القمامة فوق طاولة القهوة. كانت هناك المئات من أغلفة الرصاص الفارغة التي جمعها من منزله الذي تحول إلى قاعدة عسكرية.
ويقول محمد إن ما لا يقل عن ثمانية جنود إسرائيليين اقتحموا منزله في الساعات الأولى من يوم 26 كانون الثاني. قاموا بتقييد يديه وحبسوه في الحمام. وفي الوقت نفسه، احتجزت زوجته وطفلاه في غرفة أخرى فيما أقام الجنود معسكرا من غرفة معيشته وبدأوا إطلاق النار مع أفراد مسلحين في المخيم، وهي المنطقة التي تفتقر الى غياب قوات الأمن الشرعية.
كان محمد يسمع أطفاله يبكون. كان خائفا على حياتهم. بعد ساعات أخرجه الجنود من الحمام لينضم إلى العائلة فيجدهم يبكون ومصدومون ومرعوبون مما قد تجلبه الدقائق القادمة. "اعتقدت أن كل شيء انتهى، سنموت جميعاً الآن"، يقول محمد.
وفي الخارج، استمرت الأمطار الغزيرة في التساقط كما لو أنها تغسل البؤس والفقدان. واصلنا السير في الشوارع الضيقة حيث توجد منازل مكدسة فوق بعضها البعض، ومتاهة من الفقر وسوء التخطيط، وهي سمة مشتركة لمخيمات لاجئي فلسطين في جميع أنحاء المنطقة. هنالك أريكة فوق أنقاض منزل مدمر، وخزان مياه مثقوب بالرصاص، وحذاء، وبقايا ما كان في السابق منزلا، بيتاً، وملاذا آمنا.
بدورها، تتحدث هبة، والدة المسعف، عن إحباطها من أبنائها الثلاثة الصغار بالقول: "إنهم ينامون طوال اليوم، وليس لديهم عمل او وظيفة. ليس لديهم الكثير من الأمل". وفي هذا العام وحده، قُتل اكثر من 40 فلسطينيا في مختلف أنحاء الضفة الغربية، العديد منهم كانوا في مخيم جنين خلال التصعيد الأخير. يعيش الشباب في فقر طاحن، وسط أكوام من القمامة والكثير من السلاح، ومنازل ومرافق مثقوبة بالرصاص. إنهم معرضون لأزمة استمرت عدة عقود مع سلام بعيد المنال. وفي جنين، يعيشون حياة من البؤس المتفشي، وانعدام الأمل بغد أفضل، أو وظيفة، أو إحساس بالهدف.
"كل ما نطلبه هو الحماية، وأن يعيش أطفالنا حياة طبيعية، أن يكونوا آمنين، أن يجد شبابنا فرص عمل وأن يعيشوا بكرامة".
أما جمال، الذي يبلغ من العمر ست سنوات، فهو يتجول في المخيم مرتديا بدلته الرياضية وصندله بالرغم من انخفاض درجات الحرارة إلى أقل من 5 درجات مئوية. "المدرسة مغلقة. اشتاق لأصدقائي"، يقول جمال. وتدير الأونروا أربع مدارس في المخيم يدرس فيها حوالي 1,700 طفل وطفلة. وفي حين استجاب موظفو الأونروا لما حدث في المخيم في أعقاب الاجتياح، إلا أن ذلك لم يكن كافيا.
"لم يتم السماح لسيارات الإسعاف في المخيم بنقل الجرحى إلى المستشفى، الذي يبعد مسافة ثلاث دقائق بالسيارة"، كما أخبرنا إحد الممرضين. بدت القصة مألوفة. قبل أكثر من 20 عاما، قتل زميلنا إيان هوك في مخيم جنين. أصيب بجروح خطيرة، بعد منعه من تلقي الرعاية الطبية.
وفيما بدأنا بترك المخيم وقفت شجرة ستبقى شاهدة إلى الأبد. موقع مقتل شيرين أبو عاقلة، التي أطلق عليها النار في أيار الماضي. هنالك ملصقات وجداريات وزهور جافة تكريما لأحد أفضل الصحفيين في هذه المنطقة.
وعند الخروج من جنين، لا يمكن الا الاحساس بالألم والأسى والغضب حيال غياب المحاسبة والظلم. عبرنا الحاجز ووصلنا إلى واد أخضر غني منتعش بعد الأمطار. مشهد في غاية الجمال رغم كل الصعاب، مشهد وأرض يجب أن يتمتع بها الجميع.
------------
* آدم بولوكوس هو مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية. وجولييت توما هي مديرة التواصل والإعلام في كافة مناطق عمل الاونروا. لقد زارا مؤخراً مخيم جنين.
** تم تغيير الأسماء