"الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير المستقبل هو التعليم"

11 آذار 2016
تعمل حنان الحروب معلمة للصف الثاني الابتدائي. وهي في الأصل من مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم وتقيم في رام الله. وقد أتاح لها أسلوبها في التدريس عن طريق "اللعب والتعلم" أن تشغل مرتبة ضمن أفضل عشرة مشاركين في المرحلة النهائية لجائزة أفضل معلم في العالم لسنة 2016. © 2016، الأونروا، تصوير علاء غوشة

تعمل حنان الحروب معلمةً للصف الثاني الابتدائي في مدرسة سميحة خليل الثانوية الحكومية في مدينة رام الله. وقد أعلن في 17 شباط/فبراير عن اختيارها ضمن أفضل عشرة مشاركين في المرحلة النهائية لجائزة أفضل معلم في العالم. هذه المسابقة السنوية التي تقيمها مؤسسة فاركي في المملكة المتحدة تمنح جائزة بقيمة مليون دولار أمريكي كل سنة لمعلم متميز قدم مساهمة بارزة في مهنة التعليم. بالتالي، فهذه الجائزة تسعى للاعتراف والاحتفاء بجهود المعلمين حول العالم وبالأثر الذي يحدثونه على تلاميذهم ومجتمعاتهم. وفي هذه السنة، كانت حنان المعلمة الوحيدة من الشرق الأوسط التي بلغت قائمة العشرة الأوائل.

نشأت حنان في الأصل في مخيم الدهيشة للاجئين الواقع على مشارف مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة. وهي توضح أن نشأتها في المخيم كانت الدافع الرئيسي لها لكي تصبح معلمة، إذ أنها "ملأتني بالإصرار والصمود الذي كنت بحاجة إليه لمواجهة التحديات. فأن ينشأ المرء في طفولته في مخيم للاجئين ليس الأمر ذاته كأن ينشأ في أي مكان آخر في العالم" حسب قولها. وتضيف قائلة: "بإمكان الأطفال في الأماكن الأخرى أن يتمتعوا بطفولتهم، ولكن الأطفال الفلسطينيين ليس بإمكانهم ذلك. لقد تأثرت الألعاب التي كنا نلعبها بالظروف المحيطة بنا. فيشب الطفل منا ويكبر وهو واعٍ ومطلع على أمور السياسة وكل ما يجري حوله".

ولكن عينيها أخذتا تلمعان من جديد عندما سألناها عن ذكرياتها كطالبة في مدرسة الأونروا الابتدائية للبنات في الدهيشة، واستذكرت قائلة: "لن أنسى ما حييت جودة التعليم الذي حصلت عليه هناك أو معلماتي. إن معلمي الأونروا متميزون جداً. وهم يزودون الطلبة بتعليم عالي الجودة ويمدونهم بالدافعية".

تواصل حنان حديثها قائلة: "لم تكن مدرستي مثل المدارس الأخرى في ذلك الوقت. كانت لدينا ألعاب كثيرة. وكانت البنات في مدرستي يشاركن في المسابقات الرياضية التي كانت تجري على مستوى المحافظة. كنّا كذلك نمارس العديد من الأنشطة التي تحفز عقولنا وتتحدى تفكيرنا". ولكن يبدو أن المكتبة في مدرستها هي التي تركت أعمق الانطباعات لديها، إذ تقول: "لا أزال أتذكر المكتبة. كانت تمتلئ بالكتب. وما كنت ستجد مكتبة كهذه في أية مدرسة أخرى".

“Being a child in a refugee camp is different from being a child anywhere else in the world,” recalls Hanan. Hanan grew up in Dheisheh refugee camp, located on the outskirts of Bethlehem in the occupied West Bank. © 2016 UNRWA Photo by Alaa Ghosheh

"أن ينشأ المرء في طفولته في مخيم للاجئين ليس الأمر ذاته كأن ينشأ في أي مكان آخر في العالم" حسب ما تقوله حنان. نشأت حنان في مخيم الدهيشة للاجئين الواقع على مشارف مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة. © الحقوق محفوظة للأونروا، 2016، تصوير علاء غوشة

تتحدث حنان بحماسة، كمعلمة، موضحة كيف يمكن أن يستخدم التعليم لمواجهة الأثر السلبي للعنف الذي يتعرض له الأطفال الفلسطينيون – ولا سيما أولئك الذين يعيشون في المخيمات – بصورة متكررة. "عندما كنت طفلة، كنت معرضة للعنف. بل حتى في هذا الوقت، لا يزال أطفالي وتلاميذي يعانون من العنف، والذي يؤثر على سلوكياتهم". خلال الانتفاضة الثانية، تعرض عمر، زوج حنان، لإصابة عندما أطلقت عليه قوات الأمن الإسرائيلية النار. هذه الحادثة وقعت غلى مرأى من أطفالها وسببت لهم صدمة. وهي توضح قائلة: "بعد ذلك، أحسست أنهم يعانون وأنهم ينعزلون عن المجتمع. فقد افتقدوا الثقة وأصبحوا يخافون الذهاب إلى المدرسة لبعض الوقت". وهي تعتقد أن مدارس أطفالها لم تقدم لهم الدعم النفسي-الاجتماعي الذي كانوا بحاجة إليه حتى يتعاملوا مع الصدمة النفسية التي عانوا منها نتيجة إصابة والدهم، وأن هذه الصدمة أثرت على أدائهم في الصف. هذه التجربة ألهمت حنان، التي كانت حينئذ طالبة في سنتها الأولى في جامعة القدس المفتوحة، لأن تدرس التعليم الابتدائي حتى تستطيع مساعدة الأطفال الآخرين الذين يتعرضون للعنف لكي ينجحوا في تخطي التأثيرات النفسية-الاجتماعية والصدمة النفسية التي غالباً ما تتبع هذا التعرض. تقول حنان: "إذا لم يحصل الأطفال الذين يعانون من العنف على المساعدة والدعم الذي يحتاجونه، فسيضيعون".

“From the very beginning, I make sure that the students understand that in that classroom we are a family – we belong to each other,” says Hanan. “I feel as though I am very important to them.” © 2016 UNRWA Photo by Alaa Ghosheh

تقول حنان: "من لحظة البداية الأولى، أسعى للتأكد من أن التلاميذ يفهمون أننا في هذه الغرفة الصفية أسرة واحدة – وأننا ننتمي كل منا إلى الآخر. وأشعر أنني مهمة جداً بالنسبة لهم". © الحقوق محفوظة للأونروا، 2016، تصوير علاء غوشة

إن أسلوب حنان الملهم في التعليم يرتكز إلى "اللعب والتعلم"، حيث تعمل على دمج الألعاب التربوية في الغرفة الصفية، مستخدمة في الغالب أدوات وألعاباً مصنوعة من المواد التي تتوفر في البيت بشكل يومي. وهي تشدد كذلك على أهمية توفير "مساحة آمنة" لتلاميذها حيث يمكنهم أن يتعلموا في بيئة وديعة وسعيدة ومريحة.

تقول حنان: "من خلال تنفيذ هذه الألعاب مع تلاميذي، أنا أحاول أن أخفف تأثير العنف عليهم، ولا سيما أولئك الذين يمارسون سلوكيات عنيفة بأنفسهم. ما أسعى إليه هو تغيير هذه السلوكيات – التي كثيراُ ما تؤدي إلى ضعف المشاركة والتركيز – واستبدالها بالثقة والحوار والاحترام المتبادل".

وهي توضح أنها كثيراً ما تصمم التدريس والألعاب بشكل يلبي الاحتياجات والمهارات والقدرات الفريدة لدى تلاميذها. "فمن المهم أن يفهم التلاميذ أنهم جميعاً لديهم دور يؤدونه في المستقبل، حتى إذا لم يكن تحصيلهم الأكاديمي مرتفعاً. ومن لحظة البداية الأولى، أسعى للتأكد من أن التلاميذ يفهمون أننا في هذه الغرفة الصفية أسرة واحدة – وأننا ننتمي كل منا إلى الآخر. وأشعر أنني مهمة جداً بالنسبة لهم".

إن جهودها تترك تأثيراً ملحوظاً: فأسلوبها أصبح الآن ينتشر على نطاق واسع بين زملائها وزميلاتها، مما يؤدي إلى انخفاض سلوكيات العنف في المدارس التي يجري تطبيقه فيها. وقد قامت بعرض تجربتها في مؤتمرات وندوات علمية وشرحت المنهجيات التي تستخدمها في كتابها الذي يحمل عنوان "نحن نلعب ونتعلم".

عندما سألناها عن شعورها إزاء اختيارها في قائمة أفضل المرشحين لنيل هذه الجائزة المرموقة، ابتسمت بدفء وقالت: "بالنسبة لي، هذا الأمر يثبت أن العالم يعترف بهذا الأسلوب في التعليم ويؤمن به ويحترمه. وهو يثبت أيضاً أن المعلمين الفلسطينيين يستطيعون أن يكونوا مبدعين وأن يواجهوا التحديات وينافسوا على الرغم من الأوضاع التي يعيشون فيها".

وهي تضيف قائلة: "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير المستقبل هو التعليم. فالتعليم قادر على إحداث التغيير ومساعدتنا في بناء المجتمع والدولة الفلسطينية التي نريدها".

سيتم الإعلان عن الفائز بجائزة أفضل معلم في العالم لسنة 2016 في احتفال مسائي يعقد يوم 13 آذار/مارس في المنتدى العالمي للتعليم والمهارات في دبي.