كلمة المفوض العام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

07 آب 2014
 news_article_7581_13221_1407129792.jpg


السيد الأمين العام، السيد الرئيس، أصحاب المعالي والسعادة، المندوبون الموقرون، السيدات والسادة،

اسمحوا لي في البداية أن أشكر الأمين العام على ملاحظاته الهامة حول النزاع الذي اندلع في غزة منذ الثامن من تموز، وأن أضم صوتي أيضا لأناشد المجتمع الدولي بأن يتخذ إجراءات حاسمة لمعالجة أسباب وعواقب هذه الجولة الأخيرة من العنف. وبهذا الخصوص، فإنني أود أن أعبر عن تقديري البالغ لرئيس الجمعية العامة لقيامه بعقد هذه الجلسة غير الرسمية والتي تعمل على تسهيل الدور الشرعي للجمعية العامة في معالجة الاحتياجات الإنسانية ورفاه اللاجئين، والسعي نحو تحقيق حل عادل وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي بما في ذلك محنة اللاجئين.

إن هذا الدور مركزي لعمل الأونروا نيابة عن لاجئي فلسطين، وذلك من خلال الولاية الممنوحة لنا من قبل الجمعية العامة؛ وإنني أذكر الأعضاء بأن اللاجئين أنفسهم، أكثر من أي شخص آخر، والذين يبلغ عددهم خمسة ملايين شخص، هم من يعتمدون على التزامكم بمساعدتهم وحمايتهم، وهو التزام قمتم بالمحافظة عليه منذ تأسيس الأونروا في عام 1949.

وإننا نشهد اليوم في غزة اليوم الثاني من هدنة مدتها 72 ساعة، والتي تأمل الأونروا مثلها مثل غيرها بأن يتم تمديدها وتعزيزها لتصبح وقفا دائما للأعمال العدائية. إن هذه لحظة مرة حلوة في آن معا. فمن جهة، توقف القتال والقتل في القوت الحالي وكان هذا أمرا مطلوبا بشدة. ومن جهة أخرى، فإن هذه هي اللحظة التي يصبح فيها المدى الكامل للكلفة البشرية المذهلة والكارثية ، للحرب ، وبصراحة أكثر وضوحا.

وزيادة على الأشخاص الذين قتلوا والذين بلغ عددهم 1,800 شخص والذين أصيبوا وعددهم 9,500 شخص معظمهم من المدنيين؛ فإن ما يزيد عن 450,000 شخص قد نزحوا جراء القتال أو بسبب التعليمات الصادرة من قوات الجيش الإسرائيلي. ومن بين أولئك النازحين، كان هنالك 270,000 شخص يلتجئون في 90 مدرسة تابعة للأونروا في مختلف أرجاء قطاع غزة. إن هذا أكثر بخمسة أضعاف من الرقم الذي قمنا بإيوائه في منشآت الأونروا خلال نزاع عام 2008/2009. ولم يكن هنالك شيء يجعلني أكثر إدراكا للمعاناة والألم من زيارتي الأخيرة لمستشفى الشفاء حيث كانت الأجساد المحطمة للأطفال – وبعضهم أطفال صغار جدا – ونظرة اليأس والعجز على وجوه والديهم وأقاربهم تروي لي مرة أخرى تداعيات الحرب وتأثيرها على العالم.

لقد كانت تذكرة بأن الوفاة والإصابة لم يكن مسموحا لها أبدا أن تكون مجهولة، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك. وإذا توفر لنا الوقت، سيدي الرئيس، فإنني سأشاطركم بعضا من القصص الكامنة وراء الضحايا المدنيين الصغار والكبار لهذا النزاع. إن وراء كل شخص منهم يكمن تاريخا شخصيا ومصيرا هاما بنفس القدر من الأهمية التي يحظى بها تاريخنا ومصيرنا. إن هذا النزاع لم يشهد دمار المباني والبنية التحتية فحسب، بل وشهد أيضا تمزيق الناس والعائلات والمجتمعات جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية.

لقد قلت سابقا من غزة وأكرر القول هنا أيضا بأن إطلاق الصواريخ من قبل الجماعات المسلحة في غزة والتي استهدفت المدن الإسرائيلية وتعمل على قتل المدنيين الإسرائيليين أو تعريضهم للخطر أمر غير مقبول وينبغي عليه أن يتوقف.

ولم تسلم منشآت الأونروا ولا موظفيها من هذا النزاع. لقد تعرضت 90 منشأة من منشآتنا لأضرار، وتعرضت ست من مدارسنا لقصف مباشر جراء القصف أو تأثرت بسبب إطلاق الصواريخ بمحاذاتها مباشرة، مع حدوث خسائر فادحة في الأرواح والإصابات. لقد كانت تلك على وجه التحديد هي الحال في بيت حانون وجباليا ورفح. وقمنا بإدانة هذه العمليات العسكرية من قبل إسرائيل صراحة وبدون تحفظ. ولا يمكننا فهم السبب الذي حدثت من أجله أو على الأقل لماذا حدثت مرارا وتكرارا. وقد قمنا بطلب إجراء تحقيقات وبطلب المساءلة عنها.

وكانت هناك أيضا ثلاثة وقائع تم فيها تخزين الأسلحة من قبل الجماعات المسلحة في بعض من مدارسنا غير المستخدمة. إن العالم يعلم بشأن هذه الحالات بسبب أعمال التفتيش التي تقوم بها الأونروا وبسبب أننا وبسرعة قمنا بإبلاغ الجميع على الأرض وبإبلاغ العالم من خلال إدانتنا الواضحة والمتعمدة لتلك الانتهاكات لحرمة منشآت الأونروا.

وكما هو معلوم، فإن سكان غزة وفريق الأونروا الموجود على أرض الواقع قد عانوا كثيرا في الأسابيع الماضية، وإنني أنتهز هذه الفرصة، سيدي الرئيس، لأعرب عن تقديري العميق لزملائي في الأونروا في غزة – جميع العاملين والبالغ عددهم 12,500 موظف – لتفانيهم وشجاعتهم. وأود إعلامكم بأنه، واعتبارا من صباح هذا اليوم، فإن كافة الأعلام فوق جميع منشآت الأونروا في الأقاليم قد تم تنكيسها إكراما لذكرى أحد عشر زميلا لنا فقدوا حياتهم منذ بدء هذا النزاع إضافة إلى موظفي الأونروا الذين قتلوا في أقاليم عملياتنا، ومن أبرزها سورية. ولقد تشرفنا وتأثرنا بالعديد من عبارات التعاطف وعمليات الدعم التي شهدناها.

أصحاب المعالي والسعادة، المندوبون الموقرون،

منذ صباح يم أمس، وبعد بدء الهدنة، قام ما يقدر بحوالي 100 ألف من الأشخاص النازحين الذين كانوا يلتجئون في مدارس الأونروا بالبدء بالعودة لمنازلهم. إنهم يغادرون ملاجئنا على أمل إعادة بناء منازلهم المحطمة. إلا أن السؤال الأهم الآن الذي سيواجهونه والذي سنواجهه معهم هو: إلى ماذا سيرجعون؟ إن البعض سيجد منزله قد تضرر فيما سيجد آخرون أن منازلهم قد تدمرت بالكامل. إنهم سيعودون إلى أحياء لا يوجد فيها كهرباء لأن محطة توليد كهرباء غزة قد دمرت ونتيجة لذلك فإن الماء أيضا غير متوفر.

إن تلك هي الأحياء التي قام الأطفال، بالرغم من كل الصعوبات، باللعب في شوارعها وتشكلت فيها الروابط العائلية. إن هذا يذكرنا بوضوح بأنه وراء الدمار المادي، سيتعين على سكان غزة التعامل مع كافة الندوب العاطفية والنفسية من هذه الجولة وغيرها من جولات النزاع. وتذكروا أن فتاة أو صبيا في العاشرة من العمر في غزة قد شهد الآن ثلاثة نزاعات متعاقبة في ست سنوات. ولكن تذكروا أيضا أن هذه الندوب تتضمن أيضا الإحساس القوي بأن العالم قد تخلى عنهم: فالفشل في أن يتم حمايتهم، سواء في مباني مدارس الأونروا أو أبعد منها، سيكون له أثر دائم على الناس.

وإذا ما قيض لوقف إطلاق النار الحالي بأن يصمد، فإن الوضع يعرض أمام الأونروا وعائلة الأمم المتحدة ككل والوكالات الأخرى التي تعمل في غزة تحديات بشرية هائلة ينبغي عليهم أن يتعاملوا معها في الأشهر القادمة. وسيكون هناك احتياجات إنسانية طارئة مستمرة واحتياجات إعادة إنعاش مستمرة للمئات من الآلاف من الأشخاص، سواء أولئك الذين بقوا في الملاجئ أو الذين يعودون إلى منازلهم ويسعون من أجل إعادة بناءها أو أولئك الذين ليس لديهم منازل ليعودوا إليها. إن هذه الأمور تتطلب معونات غذائية للعائلات غير القادرة على تلبية احتياجاتها، وفرص توظيف طارئة من أجل ضخ موارد متواضعة داخل الأسر المعيشية التي استنفذت مدخولاتها وتوفيراتها بالكامل – وفي الوقت نفسه أيضا توفير قوة عاملة للمساهمة في تنظيف وإصلاح البنية التحتية المتضررة. وهنالك خطر على صعيد النظافة الشخصية والصرف الصحي في مختلف أرجاء المنطقة المكتظة بالسكان، وفي ظل هذه الظروف فإن تفشي الأمراض يصبح مصدر قلق خطير. وإنني ألاحظ في هذا السياق أن موسم غزة المطري لم يتبق على قدومه سوى شهرين من الزمن.

وعلاوة على ذلك، فإن السؤال الملح بالنسبة للأونروا يتمثل في كيفية إعادة طلاب الأونروا البالغ عددهم 240,000 طالب وطالبة إلى المدرسة في الرابع والعشرين من آب الجاري مع وجود نظام مدرسي عام آخذ في الإنهيار. وقد يتوجب علينا أن نتعامل مع استخدام مستمر لعدد كبير من مدارسنا لإيواء عدد كبير من السكان النازحين، علاوة على الضغط الناجم عن استيعاب الأطفال من المدارس الحكومية فيما لو لم تتمكن تلك المدارس من فتح أبوابها.

وعلى نطاق أوسع، فإن عمليات التقييم المقبلة ستخبرنا عن مدى احتياجات إعادة الإعمار التي سنحتاج لأن نتعامل معها، سواء أكانت تلك للمنازل أم للمباني العامة أم للبنية التحتية الحيوية.

وبدعم حاسم من المنسق الخاص، اشتركت الأونروا مع السلطات الإسرائيلية في كافة الجوانب المتعلقة بالوضع في قطاع غزة بهدف معالجة الوضع الكارثي. ونحن نرحب باشتراك السلطات الإسرائيلية. كما أننا ندعوهم لمعالجة احتياجات عائلة الأمم المتحدة بصفة عاجلة.

سيدي الرئيس، أصحاب المعالي والسعادة، المندوبون الموقرون،

وفي الختام، اسمحوا لي أن أشاطركم إيماني الراسخ بأنه ومن أجل أن يتم تحقيق تقدم وتغير حقيقيين، فإن وقفا لإطلاق النار مع العودة للشروط التي كانت سائدة في غزة قبل هذه الجولة من القتال لن يكون كافيا. إن الوقت قد حان للقيام بإجراء شامل من أجل حل القضايا الأساسية على المحك في غزة وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأوسع.

وفي زيارتي الأولى لغزة في نيسان من هذا العام بصفتي مفوضا عاما، فقد أشرت إلى أن الوضع بالنسبة لسكان غزة وبالنسبة للاجئي فلسطين لا يمكن تحمله على الإطلاق.

ومن المؤكد بأن إسرائيل لديها مخاوف أمنية مشروعة ينبغي أن تتم معالجتها. وفي نفس الوقت، فإن الحصار غير الشرعي لغزة ينبغي أن يتم رفعه. وإلى أن، وما لم يحدث ذلك، فإن غزة – وبالنسبة لهذا الأمر أيضا الضفة الغربية تحت الاحتلال – ستبقى على الدوام تعتمد على المساعدات الإنسانية. وكما هو معروف جيدا، فليس هنالك أي مكان في العالم يمكن للمساعدات الإنسانية فيه أن تعوض عن الحرمان من الكرامة والحقوق.

أشكركم سيدي الرئيس.

معلومات عامة: 

تواجه الأونروا طلبا متزايدا على خدماتها بسبب زيادة عدد لاجئي فلسطين المسجلين ودرجة هشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المتفاقم. ويتم تمويل الأونروا بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية فيما لم يقم الدعم المالي بمواكبة مستوى النمو في الاحتياجات. ونتيجة لذلك فإن الموازنة البرامجية للأونروا، والتي تعمل على دعم تقديم الخدمات الرئيسة، تعاني من عجز كبير. وتدعو الأونروا كافة الدول الأعضاء للعمل بشكل جماعي وبذل كافة الجهود الممكنة لتمويل موازنة الوكالة بالكامل. ويتم تمويل برامج الأونروا الطارئة والمشروعات الرئيسة، والتي تعاني أيضا من عجز كبير، عبر بوابات تمويل منفصلة.

تأسست الأونروا كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين وأربعمائة ألف لاجئ من فلسطين مسجلين لديها. وتقتضي مهمتها بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية وذلك إلى أن يتم التوصل لحل عادل ودائم لمحنتهم. وتشتمل خدمات الأونروا على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والحماية والإقراض الصغير.